Header Ads

ad728
  • Breaking News

    عاصفة ترامبية تلبّد سماء طرابلس

    By Jeffrey Feltman

    في بيان صدر في ساعة متأخّرة من يوم 7 أبريل، قال وزير الخارجية الأمريكية بومبيو في نقاشه عن تصاعد حدّة القتال حول العاصمة الليبية طرابلس: “أوضحنا أنّنا نعارض الهجوم العسكري الذي تقوم به قوّات خليفة حفتر وندعو إلى الوقف الفوري لهذه العمليّات العسكرية ضدّ العاصمة الليبية”. وأشار بومبيو أنّه ما من حلّ عسكري لمشاكل ليبيا وحثّ القادة الليبيين على العودة إلى المفاوضات السياسية بوساطة الأمم المتحدة. وأشار هذا البيان إلى أنّ الحكومة الأمريكية تخلّت عن موقف الحياد الذي اعتُبرت أنّها اتّخذته ووقفت بثبات إلى جانب الحوار لا القتال. ومع مواجهة قوّات حفتر مقاومةً أكبر من المتوقّع في طرابلس ونظراً إلى القلق المتنامي حيال احتمال سقوط ضحايا مدنيين جرّاء الهجمات العشوائية، ولّد بيان بومبيو، الذي قابله نوعٌ من الارتياح في طرابلس، أملاً بإمكانية التوصّل إلى طريقة تحفظ ماء الوجه وتوقف القتال وتستكمل التحضيرات لمؤتمر وطني للقادة الليبيين بتسهيلٍ من الأمم المتحدة.

    وبالكاد مرّ أسبوع على هذا الإعلان حتّى قوّض الرئيس ترامب بومبيو وقلَب موقفَ الولايات المتّحدة ليصبح إلى جانب هجوم حفتر العسكري الأحادي. ففي 19 أبريل 2019، أكّد البيت الأبيض أنّ ترامب اتّصل بحفتر منذ بضعة أيام خلت، أي يوم الإثنين 15 أبريل، و”أقرّ بدور المُشير حفتر البارز في محاربة الإرهاب والحفاظ على أمن موارد ليبيا النفطية. وناقش الطرفان رؤيةً متشاطرة حول انتقال ليبيا إلى نظام سياسي ديمقراطي مستقرّ”. والمؤسف أنّه في 18 أبريل انضمّت الولايات المتحدة إلى روسيا في عرقلة أيّ تحرّك صادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يدعو إلى إنهاء القتال أو تقييد محاولة حفتر بالتصدّي لأيّ حلّ سياسي عبر اللجوء إلى تحرّك عسكري. ونتيجة العرقلة الروسية والأمريكية، أظهر مجلس الأمن عجزه حتّى عن إدانة الحشد الرهيب للأسلحة الذي تلجأ إليه جميع الأطراف، منتهكةً بذلك القرارات التي أقرّها مجلس الأمن بدعم أمريكي.

    ومع إشادة البيت الأبيض العلنية الآن بحفتر، يبدو أنّ معركةً طويلة ومدمّرة للسيطرة على طرابلس تلوح في الأفق لا محالة. فقد قضى ترامب على نفوذ الأمم المتحدة لاعتماد الدبلوماسية. ولا تظهر أيّ علامات لتراجع الميليشيات النافذة من مدينة مصراتة الساحلية المجيّشة للدفاع عن طرابلس وغيرها من الجهات المعارضة لحفتر (والداعمة ظاهرياً لحكومة فايز السراج المعترَف بها دولياً، وهي السلطة التي – بكلّ ما فيها من عيوب – دعمتها الولايات المتحدة وباقي المجتمع الدولي حتّى الآن رسمياً). ونظراً إلى عداوتها الشديدة لحفتر، من المستبعد شراؤها كما حصل مع بعض الميليشيات المحلّية في خلال زحف ما يُعرف بالجيش الوطني الليبي التابع لحفتر جنوباً ثمّ غرباً في الأسابيع الأخيرة. وتُنذر طبيعة القتال العشوائية باحتمال حصول دمار واسع النطاق وسقوط الكثير من الضحايا المدنيين. وقد سبق أن تشرّد 30 ألف شخص من مدينة يقطنها قرابة 1,2 مليون شخص. وعلى الرغم من جميع أشكال الفوضى التي شهدتها ليبيا منذ سقوط القذافي في العام 2011، بقي عدد الضحايا المدنيين بسيطاً نسبياً مقارنة بالكارثتين السورية واليمنية. لكن للأسف سيتغيّر هذا الوضع قريباً.

    وعلى الرغم من أنّ بروز حفتر كشخصية قوية محتملة يلقى إعجاب الرئيس الأمريكي المولع بالسلطوية، ليس هذا الرجل مخلّصَ ليبيا. فالاستقرار الذي يعِد به يعتمد على قوة غاصبة تحفّز معارضةً عنيفة. وفيما يتّخذ حفتر موقفَ المعادي للإسلاموية أمام الغرب، يعتمد على الدعم السلفي المرتبط بالمملكة العربية السعودية. ويتضمّن ما يسمّى الجيش الوطني التابع له ميليشيات وأولئك الذين ارتكبوا انتهاكات مروّعة لحقوق الإنسان. وقد قاوم حفتر دعوة الأمم المتحدة إلى إتاحة فترات توقّف إنسانية ولو قصيرة حتّى، من أجل السماح للمدنيين بالهروب من الأعمال العدائية، وهدّد في فيديو تمّ تداوله على نطاق واسع عبر قناة يوتيوب بأنّه سيطلق النار على الفارين في رؤوسهم. أما الإشارة الأغرب في نصّ البيت الأبيض عن المكالمة بين ترامب وحفتر فكانت تلك التي تحدّثت عن “نظام سياسي ديمقراطي”، نظراً إلى الازدراء الذي أظهره حفتر للديمقراطية والانتخابات. فبالفعل، أحد الأسباب الكامنة وراء دخول حفتر إلى طرابلس هو تعطيل المؤتمر الوطني في أواسط أبريل، وهو عملية تضمّ مئات الليبيين الذين يمثّلون التنوّع السياسي والجغرافي في البلاد وتهدف إلى رسم طريق للمضيّ قدماً نحو إجراء انتخابات.

    وفيما حصل حفتر لسنوات على دعم سرّي من فرنسا ودعم أكثر علنية من الإمارات العربية المتحدة ومصر، أدّى دعم المملكة العربية السعودية المتأخّر دوراً مباشراً أكثر في تشجيع قرار حفتر على دخول طرابلس الآن. ففي الرياض، استقبل الملك سلمان وولي العهد محمد بن سلمان حفتر في 28 مارس. ويُشاع أنّ الاجتماعات ملأت خزينة حفتر المالية قبل غزوه طرابلس. إذ يبدو أنّ حرباً مروّعة مع خسائر بشرية جمّة في اليمن ليست بإشارة تحذيرية كافية للرياض.

    وعجزت حكومة الوفاق الوطني الليبية التي تحظى باعتراف دولي عن اكتساب زخم أو دعم شعبي منذ أنشائها منذ مارس 2016. فالاعتراف الدولي لا يوازي الشرعية الوطنية، وهذا أمر على فايز السراج أن يقرّ به. إذ تعتمد استمرارية حكومة الوفاق الوطني على ميليشيات مشكوك بانتمائها واحترامها وعلى واقع المحسوبية والفساد المستقين من الموارد الوطنية الموزّعة في أنحاء البلاد لجميع الفصائل المتنافسة، بما فيها قوّات حفتر. غير أنّ قادة حكومة الوفاق الوطني، إدراكاً منهم بتوق الشعب إلى الاستقرار والحياة الطبيعية، قبلوا بالمشاركة أقلّه في عملية المؤتمر الوطني التي بدأت تولّد زخماً وحماساً. غير أنّ حفتر يزدري عمليةً سياسية لا يستطيع التحكم بنتائجها ويدّعي أنّه بإمكانه أن يؤمّن الاستقرار الذي يرغب فيه الليبيون بواسطة القوة. وعلى حساب خسائر مدنية كبيرة، قد تتمكّن قوّات حفتر من غزو طرابلس. لكن نظراً إلى الرفض الواسع النطاق لحفتر في غرب ليبيا، لن ينهي سقوط طرابلس عذابَ ليبيا السياسي والبشري. وعلى الأرجح أن يهمّش انتصار حفتر القوّات المعتدلة ويحفّز المتطرّفين.

    لا نعلم ما تمّ تداوله فعلياً في خلال المكالمة الهاتفية وليس بحوزتنا سوى المعلومات التي أفصح عنها البيت الأبيض، لكن لا يبدو واضحاً ما يأمل الرئيس ترامب أن يكسبه من إصدار بيان علني يشجّع هجوم حفتر العسكري على طرابلس بدلاً من تركيزه على إنقاذ الأرواح. ولا شكّ في أنّ قصف حفتر العشوائي لأحياء طرابلس بدءاً من الثلاثاء، بعد يوم واحد على إجراء المحادثة مع ترامب، لا يأتي بمحض الصدفة. تجدر الإشارة أيضاً إلى أنّ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي زار ترامب في البيت الأبيض قبل ذلك ببضعة أيام. فهل استخلص السيسي درساً من المكالمة الهاتفية التي أجراها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع ترامب في ديسمبر؟ إذ أقنع أردوغان ترامب بأن ينقض قرار وزير الدفاع الأمريكي في مسألة انتشار الجيش الأمريكي في سوريا، ممّا أدّى إلى استقالة الوزير جيمس ماتيس. فهل تمكّن السيسي من إقناع ترامب بخدعة أنّ “حفتر يمثّل الاستقرار” لدرجة أنّ ترامب رفض مقاربة بومبيو الأكثر حكمة التي ترفض اللجوء إلى حلّ عسكري في ليبيا؟ وهل أتى عرض السيسي مدعوماً من مناشدة سعودية وإماراتية وغيرها موجّهة إلى البيت الأبيض؟

    في صيف 2018 وفبراير 2019، بيّنت الولايات المتحدة فعاليّتها في تأدية دور بنّاء وحاسم في حلّ الأزمات التي تلوح في أفق منطقة الهلال النفطي في ليبيا. وأُسند جزئياً نجاح الولايات المتحدة إلى الثقة الليبية بالمصداقية والموضوعية الأمريكية المتصوّرة، مقارنةً بما اعتبره الليبيون تدخّلاً تنافسياً من ناحية فرنسا وإيطاليا ومصر وتركيا والإمارات العربية المتحدة وقطر وغيرها من البلدان لتسويق مصالح أيديولوجية ووطنية ضيّقة الأفق. والمفارقة أنّ هذه النظرة الليبية للمصداقية الأمريكية النسبية أتت نتيجة الانفصال الأمريكي وأدّت إلى دعوات ليبية متكرّرة إلى تجديد الولايات المتحدة انتباهها: فقد زاد الغياب الأمريكي من التوق الليبي إلى الولايات المتحدة. والآن، ركّز ترامب بالفعل على ليبيا، أقلّه لجهة إجراء مكالمة هاتفية واحدة. غير أنّ انخراطه لصالح حفتر أهدر نقطة القوة الوحيدة، أي نظرة المصداقية والموضوعية، التي كان من المفترض الاستعانة بها لمساعدة الأمم المتحدة وغيرها من الجهات على دفع قادة ليبيا المتخاصمين إلى طاولة المفاوضات.

    في الوضع الراهن، على الأرجح أن يقتبس حفتر وداعموه نصّ البيت الأبيض لتصعيد العنف بدلاً من إنهائه. بالتالي، وحده طلبٌ واضح ومباشر وقاطع وعلني صادر عن البيت الأبيض بوقف القتال وبدء عملية سياسية قادرٌ على عكس النظرة الخطيرة بأنّ ترامب يحبّ تصرّفات حفتر بغضّ النظر عن عدد القتلى الذي سيقع.



    from International Affairs https://brook.gs/2vkJ2SU

    No comments

    Post Top Ad

    ad728

    Post Bottom Ad

    ad728